الخميس، يناير 21، 2016

إمرأة ضد المساواة / دعاء شحاته /

أنا الآن لم أعد فتاة صغيرة، ولكني أيضا لم أصبح امرأة بعد، أنا أنثى على أعتاب الثلاثين من العمر، أرى أن فكرة المساواة هي فكرة ظالمة وبلا معنى، فالمساواة التي طالب بها قاسم أمين والحرية التي طالب بها للمرأة كان هدفها سامٍ، وكانت ناتجة عن انحطاط المجتمع الذي كان يعامل المرأة آنذاك بوصفها شيئا ليس له حقوق، فلم يكن للبنت الحق في اختيار زوجها، بل إن والدها يزوجها لمن يشاء وفي أي وقت شاء دون الرجوع لها، كما أنهم يفضون بكارتها أمام مرئى ومسمع الأم والحماة وأخت الزوج دون احترام خصوصية هذه اللحظة وهولها وصعوبتها ودون الالتفات لحقوقها الشرعية، كان للرجل كل الحق أن يتزوجها متى شاء ويطلقها متى شاء وليس لها حقوق، كانت لا ترث وليس لها الحق في ارتياد الجامعة أو العمل؛ ولهذا طالب قاسم أمين بتحريرها وإعطائها كافة الحقوق التي كفلها لها الدين والعقل والمنطق، طالب بالتعامل معها كإنسان لا كشيء، وهذا في العصر القديم وأنا أتفق معه.

لكن الرجل الشرقي في زمننا المعاصر قد أحسن استغلال هذه الحرية لمصالحه الشخصية، وللأسف فإن المرأة تساعده على ذلك، فقد أصبحت حرية المرأة الآن مصطلحا ظاهريا يخفي وراءه حرية أخرى هي حرية الوصول إلى المرأة واستغلالها، نعم إن المرأة في الوقت الحالي أكثر استغلالًا من ذى قبل، يروجون لها موضات تجعلها شبه عارية حتى يستمتع الرجل بجمال جسدها، يروجون لاختلاطها بالجميع حتى يستمتعون بصحبتها، يختلقون مسميات جديدة مثل الصداقة (التي بالمناسبة لم أعد أؤمن بوجودها) والزمالة وغيرها من المصطلحات التي تجعل لكل منهم الحق في دخول حياتها والاستمتاع بصحبتها دون أن يعترفوا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن صحبة النساء، دون أن يعترفوا أنهم أضعف من أن يعيشوا بمفردهم، بل إنهم آخذون في ترديد نغمات جديدة توحي أن المرأة لا يمكن أن تستغني عن وجود رجل بحياتها، وهذا غير صحيح، فسيولوجيا وسيكولوجيا، إنهم آخذون في ترديد مثل تلك الكلمات؛ حتى يصنعوا وهما جديد وقيما جديدة، ليست كقيمنا وكأخلاقنا، هدفها الوحيد هو تحسين وسائل استغلال المرأة.

أنا لا أؤمن بالمساواة، لم يساوِ الله بيننا قط، جعل الله المرأة في ديننا الحنيف ملكة خُلقت لتخدم، ليس عليها مسؤولية الانفاق بأي حال من الأحوال ابنة كانت؛ أم أو زوجة، وليس عليها مسؤولية حماية البيت فهذا هو دور الرجل، فالرجل مكلف بما لم تكلف به المرأة كما قال الله عز وجل في كتابه العزيز “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، وليست هذه الدرجة درجة تشريف كما يروج لها الجهال، ولكنها درجة تكليف ومسؤولية، ومع ذلك فإننا نجد في وقتنا الحالي الكثيرين ممن يشترطون في زوجاتهن أن يكن عاملات حتى ينفقن، بالرغم من أن الإنفاق هو واجب الرجل وحده، ولكن الرجال في عصرنا الحالي لا يجدون أدنى مشكلة في التخلي عن واجباتهم مع التمسك بكل حقوقهم، ويتشدقون بآية التعدد وكأن القرآن ليس به آيات أخرى.

أنا لا أؤمن بالمساواة، كيف يمكننا أن نصل إلى هذه الدرجة من الدونية؟! نحن النساء اللاتي كرمنا الله بأن جعل الجنة تحت أقدامنا تجعلنا نطلب أن نتساوى بالرجال؟ كيف تشوهت فطرتنا إلى هذا الحد حتى قررنا أن نتنازل عن حقوقنا من أجل أن نصبح عصريات؟ كيف يتم إقناعنا نحن بنات آدم أننا مثل الرجال، أو أن علينا مثل ما عليهم ولنا مثل ما لهم؟

الحقيقة الواضحة أنه لا توجد أصلا مساواة واقعية كل ما هنالك أن المرأة أصبحت أكثر قهرًا من ذي قبل، حتى أنها مُستغلة الآن أكثر، فاليوم أصبح الرجال قليلون، وأصبحت الأخلاق عصية على التنفيذ، كل منا أصبح يطوع قيمه وأخلاقه مثلما يتطلب الموقف، فهو مع الحرية طالما كانت بعيدة عن زوجته وبناته وأخواته، يصنع مزيجا من الازدواجية الفكرية تجعله يقتنع بالصداقة الحقيقية بين الرجل والمرأة، مادامت زوجته ليست طرفا بها، يرى علاقاته مع النساء علاقات بريئة، ويرى علاقة جميع الرجال مع أي من حريمه علاقات غير بريئة، وكأنه هو الرجل البريء الوحيد على وجه الأرض، يتحجج بضعف حريمه وبراءتهن وعدم قدرتهن على إنشاء علاقات سوية، بينما هو ونساؤه الأخريات قادرين على فعل ذلك بمنتهى البساطة.

نعم إنها ازدواجية فكرية رخيصة يروج لها بشكل كبير، وللأسف يستند الرجل بها على فقه واهٍ قد وضعه رجال، وللأسف وعبر كل تلك العصور وطوال 1400 سنة لم أرَ عالمة دينية وحيدة فسرت ودرست ووضعت قوانين فقهية وفتاوى من وجهة نظر أنثوية، فهناك بداخلنا نحن معشر النساء أحاجٍ وألغاز لا يستطيع رجل على وجه الأرض فهمها، وللأسف كل علماء الدين رجال، يضعون الفلسفات والقوانين التي تخدم أفكارهم ومشاعرهم واعتقادهم دون النظر من الجانب الآخر، أنا لست عالمة ولا أستطيع إصدار الفتاوى، ولكني أمتلك من اليقين ما يجعلني على ثقة أن الخلل في هؤلاء، وليس في قوانين ربي.

أعلم أن ما أقوله لن يعجب الكثيرين، وربما يراه البعض ليس له قيمة، ولست بصدد إيجاد حلول فأنا صدقا لا أملكها، ولكني أعي جيدا أن دفن الرؤوس في الرمال لن يصلح شيئا.

أنا لست محللة ولا كاتبة ولا ناقدة، أنا مجرد إنسانة لا تمتلك إلا قلمها وصوتها، وهذان فقط ما تحارب بهما، فلربما قرأ كلامي عاقل أو عاقلة، فرأى ما أرى، وشعر معي بما وصل إليه مجتمعنا من انحطاط، ربما قرأته امرأة ففهمت ما يحاك ضدها، ربما هو بلا قيمة وربما يكون حجر أساس

ليست هناك تعليقات: