فالمقاومة التي بدأت عشية الاحتلال، على عكس أي مقاومة أخرى لأي احتلال، اختلط فيها العمل المقاوم بالأعمال الإرهابية؛ مما أساء إلى صورتها كثيرا أمام الرأي العام العالمي بل وأمام الشعب العراقي نفسه، وفصائل المقاومة العراقية متعددة، ولم تكن جميعها تعمل وفق أجندة وطنية خالصة، بل كان منها ما هو تابع لدول مجاورة يعمل على تنفيذ أجندات تلك الدول، بل واختلطت بها تنظيمات خارجية تكن عداء مطلقا للولايات المتحدة، ووجدت في العراق فرصة للنيل منها كتنظيم القاعدة. وفي الوقت ذاته كانت هناك فصائل أخرى تعمل من أجل الوطن سعيا لإجبار المحتل على الجلاء عن العراق, ولم يكن هناك انسجام في أغلب الأحوال بين فصائل المقاومة تلك، نظرا لتعدد التوجهات والمرجعيات وأجندات المصالح, بل وصل الأمر أحيانا إلى قيام صراعات مسلحة بين بعض تلك الفصائل, لكن –وللأمانة- فإن للمقاومة نصيبا مهما فيما يجري على الساحة العراقية حاليا من انحسار للدور الأمريكي في الشارع وتسليم المهام الأمنية للعراقيين بعد تصاعد أرقام القتلى من الأمريكيين نتيجة لعمليات المقاومة؛ ولذلك فإن بعض فصائل هذه المقاومة ترى أن من حقها الحصول على نصيب من الكعكة السياسية العراقية. أبرز جماعات المقاومة الآن ومما لاشك فيه أن رئيس الوزراء العراقي "نوري المالكي" نجح إلى حد كبير في القضاء على تيارات العنف في العراق، سواء ما كان منها مقاومة أو إرهابا, وكان بداية نجاحه في تحويل جيش المهدي (الجناح العسكري للتيار الصدري) إلى العمل السلمي وإلقائه السلاح، وهو الذي كان من أشد المقاومين بالسلاح للوجود الأمريكي, ودخل في مواجهات مسلحة بينه وبين القوات الأمريكية كان أهمها تلك المواجهات التي جرت في مدينة النجف وحول مرقد الإمام على بن أبي طالب في عهد رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي. وفيما بعد نجح المالكي، وشاركه الجانب الأمريكي في ذلك، في تحويل بعض العشائر السنية في غرب العراق من الخندق المقاوم إلى الخندق الحليف فيما سمى بـ"كتائب الإسناد"، وأسهم الجانب الأمريكي بدعم وتمويل تلك الكتائب العشائرية والتي نجحت في القضاء على تنظيم القاعدة في المنطقة وكسر شأفة المقاومة فيها إلى حد كبير؛ مما أدى إلى وصول العراق إلى حالة من الهدوء النسبي، وبدأنا نسمع عن أسماء عراقية جديدة ذات تأثير مثل الشيخ حميد الحايس والشيخ أبو ريشة. إلا أنه وبعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة والبدء في الانسحاب الجزئي من العراق، وبالذات من الشارع، عادت وتيرة العنف إلى الظهور من جديد. وكان من ضمن العناصر التي تقف وراء هذا العنف بعض من كتائب الإسناد العشائرية لأنها بعد أن أتمت مهامها بنجاح في مناطق تواجدها، طالبت بالجائزة التي تستحقها عما أنجزته. وتلخصت تلك المطالب بضرورة تعيين أفرادها في الجيش العراقي وقوى الأمن, لكن مشاكل فنية حالت دون ذلك، إذ أن من ضمن هؤلاء صبية وعجائز؛ مما يستحيل معه ضمهم إلى تلك القوى النظامية, فرفع هؤلاء السلاح من جديد ضد الحكومة ورموزها وضد القوات الأجنبية, ليظلوا أحد العناصر المحسوبة على المقاومة العراقية. لكن الشيخ حميد الحايس، أحد شيوخ عشائر العراق وواحد من أهم المؤسسين لفصائل الصحوة، صرح مؤخرا بأن "الصحوة أتمت المهام الموكولة إليها، وأنها يجب أن تلقي السلاح لأن السلاح يجب ألا يكون إلا في أيدي قوى الأمن فقط, وأن من يحمل السلاح من الصحوة يعتبر من الميليشيات".. ويقصد بكلمة الميليشيات الفصائل الإرهابية، حسب المصطلح الحكومي. وإلى جوار فصائل الصحوة المتمردة على مرجعياتها، يوجد فصيل هام آخر يتشكل من فلول حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي حرم أفراده دستوريا وقانونيا من المشاركة في أي عمل سياسي في العراق، بل والحرمان من تقلد أي وظيفة هامة... هؤلاء وجدوا كل السبل موصدة أمامهم، ولم يجدوا سوى حمل السلاح ضد الأجنبي ومؤسسات الحكومة سواء بسواء. ويتردد أن قيادة هؤلاء معقودة لـ"عزت إبراهيم الدوري"، النائب الأول لصدام حسين. وتعمل هذه المجموعة في شمال غرب العراق في محافظتي صلاح الدين والموصل. وعلى القرب من هذه الجماعة توجد جماعة أخرى هي (النقشبندية) التي تعمل بين محافظتي ديالي وكركوك. وإلى جانب هؤلاء توجد جماعات أخرى إسلامية ترتبط بشكل أو بآخر بجبهة علماء المسلمين التي يتزعمها الشيخ حارث الضاري... تلك هي أهم الجماعات المقاومة حاليا في العراق؛ فتنظيم القاعدة لم يعد له وجود مؤثر داخل العراق في الوقت الحالي، وانتقل بنشاطه من العراق إلى أفغانستان. الكرة في ملعب الحكومة العراقية وتسعى الحكومة العراقية جاهدة للقضاء على هذه الجماعات، سواء بالصدام المسلح المباشر أو بالحلول الواقعية, فهي مؤخرا دخلت في حوار مع كتائب الإسناد العشائرية لحل المشكلات القائمة وتحقيق ما يمكن تحقيقه من مطالب لهؤلاء، في نفس الوقت دخلت في حوار آخر مع زعماء من حزب البعث العربي الاشتراكي (جناح سوريا) الذي كان قد انشق على البعث العراقي في عام 1979 وأقامت قياداته في دمشق هربا من بطش النظام الذي أعدم منهم حينئذ الكثير. ورغم اعتراض البعض من النخب والتيارات السياسية على هذا الحوار، فإن الحوار تم بالفعل وواكبته أحاديث وتصريحات وتعقيبات حول حزب البعث مفادها أن حزب البعث ليس شرا بالمطلق، إذ ضمن الذين كانوا ينتمون لهذا الحزب من أجبرتهم الظروف على الانخراط في صفوفه بل والترقي الحزبي دون أن يكون عليهم أدنى مسئولية في ارتكاب أي عمل ضد أي مواطن. ومع هذا الحوار بدأت الأحاديث حول ضرورة إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث, وأهمية الاستفادة من الخبرات في كل المجالات، والتي كانت منتمية لهذا الحزب، وعدم التعامل بشكل مطلق مع كل من كان بعثيا -حتى من كان ضمن الكوادر المتقدمة- على أنه من الأعداء... هذا التوجه الجديد وإن كان خافتا ويواجه بمعارضة كبيرة؛ فإنه إن تبلور وأخذ طريقه إلى تعديلات تشريعية، إضافة إلى تغيير في النظرة النخبوية والشعبية للبعثيين؛ فإن هذا معناه تجفيف الروافد التي تغذي المجموعات التي لها صلة بالبعث، ولا يبقى على الساحة حينئذ سوى الجماعات الإسلامية السنية، سواء ما كان منها مرتبطا بجبهة علماء المسلمين أو بأي تيارات أخرى, وفي إمكان الحكومة العراقية أن تفتح حوارا مع الجهات المغذية لتلك الجماعات وتفتح الباب واسعا لتلك الجماعات للانخراط في العملية السياسية والمشاركة في بناء عراق جديد. والمقاومة بشكل عام هي رد فعل طبيعي للاحتلال، إذ لا يوجد احتلال لم يواجه بمقاومة, ومن الواضح أن هناك انسحابا تدريجيا للقوات الأجنبية من العراق. ورغم أننا نعتقد جازمين أنه لن يكون هناك انسحاب نهائي، إذ لابد أن تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بقواعد لها في العراق، فإن ابتعاد القوات الأمريكية عن الاحتكاك المباشر بالمواطن العراقي، سواء كان ذلك من خلال المداهمات المنزلية أو الوجود الاستفزازي بالشارع أو إطلاق النار العشوائي على المواطنين.. كل ذلك يقلل من الرغبة في مقاومة الأجنبي، وبالتالي فإن فصائل المقاومة في هذه الحالة ستذوب تدريجيا طالما لم يعد هناك من يستوجب مقاومته. ولكن نجد في المقابل أن هناك أصواتا عراقية، حتى من الشارع العراقي، تطالب ببقاء قوات الاحتلال خوفا من عودة وتيرة العنف من جديد، لأن قوى الأمن العراقية لم تصل بعد إلى درجة المقدرة على حفظ الأمن في العراق, وإذا تغلب هذا التوجه؛ فإن ذلك معناه استمرار المبرر الذي يستوجب مواجهته بالمقاومة, وفي هذه الحالة فإن هذه الفصائل ستنشط من جديد، وربما تنضم إليها فصائل أخرى. نحن نعتقد أن الكرة الآن في ملعب الحكومة العراقية.. في إمكانها أن تنفتح على الجميع بالحوار من خلال مصالحة وطنية شاملة شعارها عفا الله عما سلف.. وفي هذه الحالة ستتلاشى تلقائيا كل الفصائل المسلحة، سواء ما كان منها مقاوما أو إرهابيا، وعلى العكس إن اتبعت طريقا معاكسا في التعامل مع التيارات المعارضة في الوقت الذي تطالب فيه ببقاء القوات الأجنبية؛ فإن لكل فعل رد فعل وبالتالي فإن العراق سيظل يعج بالفصائل المسلحة، المقاوم منها والإرهابي أيضا. |
الخميس، أبريل 16، 2009
المقاومة العراقية بعد ست سنوات.. الواقع والمصير
xLDen>fr GoogleC
?????? ?????
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق